فظاعات مستقبلية.. سباق التكنولوجيا العسكرية يثير مخاوف حقوقية كبيرة
فظاعات مستقبلية.. سباق التكنولوجيا العسكرية يثير مخاوف حقوقية كبيرة
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 في جنيف، والتي تتواصل حتى 8 أكتوبر المقبل. وفي هذا السياق، قدمت اللجنة الاستشارية للمجلس تقريرًا مفصلًا بشأن التكنولوجيات العسكرية الجديدة والناشئة، استعرضت فيه أبرز المخاطر التي تثيرها هذه الطفرة على منظومة حقوق الإنسان والسلم الدولي، محذرة من أن غياب الضوابط القانونية والأخلاقية قد يفتح الباب أمام انتهاكات غير مسبوقة.
أولى القضايا التي توقف عندها التقرير هي الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في المجال العسكري.
وأشارت اللجنة إلى أن هذه التكنولوجيا لم تعد محصورة في التطبيقات المدنية، بل صارت أداة رئيسية في تطوير الأسلحة والعمليات الحربية.
ورغم أنها قد توفر قدرات غير مسبوقة في سرعة تحليل البيانات واتخاذ القرارات، فإن المخاطر تكمن في إمكانية نزع السيطرة البشرية عن القرارات المصيرية المتعلقة بالحياة والموت.
وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فقد حذرت اللجنة من أن الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي قد ترتكب أخطاء قاتلة بسبب اعتمادها على خوارزميات غير خاضعة للمساءلة.
وفي حالة استخدامها في الطائرات المسيّرة أو أنظمة الدفاع الذاتي، فإن أي خلل تقني قد يقود إلى استهداف مدنيين أو شن هجمات عشوائية.
أسلحة ذاتية التشغيل
من أبرز الملفات التي أثارت جدلًا واسعًا داخل التقرير قضية الأسلحة ذاتية التشغيل، وهي الأنظمة التي تستطيع تحديد الأهداف ومهاجمتها دون تدخل بشري مباشر.
ورغم ما توفره هذه الأسلحة من سرعة ودقة، فاللجنة أكدت أن خطورتها تكمن في غياب عنصر المساءلة. فمن المسؤول عن الجرائم إذا نفذت الآلة عملية قتل جماعي أو هجومًا عشوائيًا؟
وشدد التقرير على أن هذه الفجوة القانونية والأخلاقية تمثل تهديدًا مباشرًا للنظام الدولي، إذ قد تؤدي إلى إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب، وتقويض مبادئ القانون الدولي الإنساني.
كما حذرت اللجنة من سباق تسلح غير محسوب قد يفتح الباب أمام انتشار واسع لهذه الأنظمة في نزاعات إقليمية ودولية.
تعزيز القدرات البشرية
ولم يقتصر التقرير على الذكاء الاصطناعي، بل تطرق أيضًا إلى قضية تعزيز القدرات البشرية عبر تكنولوجيات متقدمة تستهدف رفع الأداء الجسدي أو الذهني للجنود.
وأشارت اللجنة إلى أن هذه التطبيقات تثير إشكالات خطيرة تتعلق بالتمييز والمساواة، حيث يمكن أن تُحول الجنود إلى «كائنات معززة» بما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص ويزيد من عسكرة المجتمعات.
وشددت على أن هذه التجارب قد تتعارض مع المعايير الطبية والأخلاقية، خاصة إذا تم فرضها على الأفراد دون موافقتهم الحرة والمستنيرة، وهو ما يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان الأساسية.
خصوصية في مهب الريح
وخصص التقرير مساحة واسعة للتطرق إلى التوسع في استخدام تكنولوجيات المراقبة لحماية الحدود أو متابعة تحركات الأفراد.
وأوضحت اللجنة أن هذه الأدوات، التي تشمل الطائرات المسيرة وأجهزة الاستشعار الذكية، قد تؤدي إلى انتهاك الحق في الخصوصية وتقييد حرية التنقل.
وأكدت أن الاعتماد المتزايد على هذه الوسائل قد يستخدم كذريعة لتبرير سياسات أمنية صارمة تستهدف فئات بعينها، مثل المهاجرين واللاجئين والأقليات.
ونبهت اللجنة إلى أن غياب الرقابة المستقلة يفتح الباب واسعًا أمام الاستخدام التعسفي لهذه التكنولوجيات.
معركة على العقول
من بين أبرز المحاور التي سلط عليها التقرير الضوء مفهوم الحرب الإدراكية، الذي يعتمد على استخدام التكنولوجيا للتأثير على العقول والسلوكيات.
وأوضحت اللجنة أن هذه الاستراتيجيات تشمل التلاعب بالمعلومات، والتأثير النفسي على الجنود والمدنيين على حد سواء، بهدف تحقيق مكاسب عسكرية أو سياسية.
واعتبر التقرير أن هذه الممارسات تمثل شكلاً جديدًا من الانتهاكات، إذ تمس مباشرة الحق في حرية الفكر، وتفتح الباب أمام انتهاكات لحقوق أساسية مثل الحق في الوصول إلى المعلومات وحرية التعبير.
الذكاء الاصطناعي والبيوتكنولوجيا
ناقش التقرير مخاطر التقارب بين الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا البيولوجية، محذرًا من احتمال توظيف هذه القدرات في تطوير أسلحة بيولوجية متقدمة.
واعتبرت اللجنة أن هذا السيناريو يمثل تهديدًا مضاعفًا للصحة العامة والأمن الدولي، لا سيما إذا وقعت هذه القدرات في أيدي جماعات غير حكومية أو شبكات إرهابية.
ومن أخطر ما ورد في التقرير التحذير من إدماج الذكاء الاصطناعي في أنظمة القيادة والسيطرة النووية. وأكدت اللجنة أن أي خلل أو خطأ تقني في هذه الأنظمة قد يؤدي إلى كارثة عالمية غير مسبوقة.
وأشار التقرير إلى أن الاعتماد على الخوارزميات في قرارات مصيرية كهذه يقلل من الوقت المتاح لاتخاذ القرارات البشرية، ما يرفع من احتمالات وقوع أخطاء قاتلة قد تهدد البشرية جمعاء.
أسلحة الطاقة الموجهة
ولم يغفل التقرير الإشارة إلى أسلحة الطاقة الموجهة، التي لا تزال في طور التطوير. وأكدت اللجنة أن آثار هذه الأسلحة على المدنيين لم تُفهم بعد بشكل كامل، محذرة من إمكانية تسببها في أضرار واسعة وغير متوقعة.
خلص التقرير إلى أن جميع هذه التطورات التكنولوجية تتسم بغياب إطار قانوني دولي فعال ينظم استخدامها.
ورأت اللجنة أن هذا الفراغ التشريعي قد يؤدي إلى سباق تسلح غير منضبط، ويزيد من احتمالات استخدام هذه التكنولوجيا في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وشددت على ضرورة تطوير معاهدات واتفاقيات دولية جديدة تراعي خصوصية هذه التكنولوجيات، وتضمن الحفاظ على السيطرة البشرية والمساءلة القانونية.